حديث رقم 448 - من كتاب تهذيب الآثار للطبري - مسند عمر بن الخطاب

نص الحديث

448 حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمُرِّيُّ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَعِشْ مَسْخٌ قَطُّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَلَمْ يَأْكُلْ ، وَلَمْ يَشْرَبْ ، وَلَمْ يَنْسِلْ وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَسَائِرَ الْخَلْقِ فِي السِّتَّةِ الْأَيَّامِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ ، فَمَسَخَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ - يَعْنِي الَّذِينَ مَسَخَهُمْ قِرَدَةً فِي صُورَةِ الْقِرَدَةِ - وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِمَنْ شَاءَ كَيْفَ شَاءَ ، وَيُحَوِّلُهُ كَيْفَ يَشَاءُ . فَمَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا إِذًا ، إنْ كَانَ الَّذِينَ مُسِخُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَائِزًا عِنْدَكَ أَنْ يَكُونُوا هُمْ هَذِهِ الضِّبَابَ الْيَوْمَ ، أَوْ أَنْ يَكُونُوا كَانُوا مَوْجُودِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ مَرَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الزَّمَانِ مَا مَرَّ ، وَأَتَى عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّهُورِ مَا أَتَى ، وَهَذَا الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإنْكَارِهِ لِلْمَسْخِ عَيْشًا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ؟ وَإِنْ أَنْتَ قُلْتَ بِتَصْحِيحِ الْقَوْلِ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قِيلَ لَكَ : فَمَا وَجْهُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضِّبَابِ إِذًا ، إِذْ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ : إِنَّ أُمَّةً مُسِخَتْ فَأَرْهَبُ أَنْ تَكُونَهُ ، وَالْمُسُوخُ قَدْ هَلَكَتْ وَبَادَتْ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالَّذِي قُدِّمَ إِلَيْهِ فَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ مِنْهَا ، وَالَّذِي سُئِلَ عَنْهُ مِنْهَا ، لَا هُوَ الْمَسْخُ ، وَلَا هُوَ مِنْ نَسْلِهَا ، فَمَا وجُوهُ كَرَاهَتِهِ أَكْلَ ذَلِكَ حِذَارًا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأُمَّةِ الَّتِي مُسِخَتْ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ أَنَّ الْمَسْخَ لَا يُعْقِبُ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ؟ قِيلَ لَهُ : أَمَّا الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رُوِيَ بِمَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّ الْمَسْخَ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ، فَخَبَرٌ فِي سَنَدِهِ نَظَرٌ ؛ لِعِلَّتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : أَنَّ الضَّحَّاكَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ بِشْرَ بْنَ عُمَارَةَ لَيْسَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحًا ؛ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافٌ ، وَكَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضَّبِّ الَّذِي قُدِّمَ إِلَيْهِ أَوْ سُئِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : هُوَ مِنَ الْأُمَّةِ الَّتِي مُسِخَتْ بِأَعْيَانِهَا ، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَعَلَّ هَذَا مِنْهُمْ ، وَأَرْهَبُ أَنْ تَكُونَهُ . وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِقَوْلِهِ : لَعَلَّ هَذَا مِنْهُمْ : مِنْهُمْ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ ، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ نَوْعِهِمْ فِي الْمِثَالِ . وَأَرْهَبُ أَنْ تَكُونَهُ : بِمَعْنَى أَنْ تَكُونَ نَظِيرَهُ فِي الْمِثَالِ وَالشَّبَهِ ، لَا أَنَّهَا هِيَ بِأَعْيَانِهَا . وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ مَا قُلْنَا ، كَانَتْ كَرَاهَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَهَا لِمُشَابَهَتِهَا فِي الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ خَلْقًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَغَيَّرَهُ عَنْ هَيْئَتِهِ وَصُورَتِهِ إِلَى صُورَتِهَا ، وَكَذَلِكَ هِيَ عِنْدَنَا . وَإِذَا صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ؛ صَحَّتْ مَخَارِجُ مَعَانِي مَا ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَسْخَ لَا يُعْقِبُ ، وَقَوْلِهِ إِذْ سُئِلَ عَنِ الضَّبِّ : إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ فَلَعَلَّ هَذَا مِنْهُمْ ، وَمَخْرَجُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ الْمَسْخَ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَذَلِكَ أنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ الْمَمْسُوخَةُ هَلَكَتْ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَلَمْ تُعْقِبْ وَلَمْ تَنْسِلْ ، وَتَكُونَ كَرَاهَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَ الضِّبَابِ إِذْ كَرِهَهُ ؛ حِذَارًا أَنْ تَكُونَ مِنْ نَوْعِ مَا مَسَخَ اللَّهُ مِنَ الْأُمَّةِ الَّتِي مَسَخَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، إِذْ كَانَ لَمْ يَمْسَخْ تَعَالَى ذِكْرُهُ خَلْقًا مِنْ خَلْقِهِ عَلَى صُورَةِ دَابَّةٍ مِنَ الدَّوَابِّ ، إِلَّا كَرَّهَ إِلَى أُمَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَ لَحْمِ تِلْكَ الدَّابَّةِ الَّتِي مَسَخَ ذَلِكَ الْخَلْقَ عَلَى صُورَتِهِ أَوْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ . وَذَلِكَ كَتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ لُحُومَ الْخَنَازِيرِ الَّتِي مُسِخَتْ عَلَى صُورَتِهَا أُمَّةٌ مِنَ الْيَهُودِ ، وَكَتَحْرِيمِهِ لُحُومَ الْقِرَدَةِ الَّتِي مُسِخَتْ عَلَى صُورَتِهَا مِنْهُمْ أُمَّةٌ أُخْرَى ، وَتَكْرِيهِهِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ . فَإِنْ قَالَ : أَفَكَانَتْ عِنْدَهُ الضِّبَابُ مِنَ الْمُسُوخِ ، وَسَبِيلُهَا سَبِيلُهَا ؟ قِيلَ : إِنَّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أُمَّةً مُسِخَتْ فَأَرْهَبُ أَنْ تَكُونَهُ ، وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : فَلَعَلَّ هَذَا مِنْهُمْ ، بَيَانًا وَاضِحًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا مِنْ نَوْعِ الْأُمَّةِ الَّتِي مُسِخَتْ - وَلِذَلِكَ لَمْ تُحَرَّمْ - وَأَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ مِنْهَا مَا تَبَيَّنَ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ لَحَرَّمَ أَكْلَهَا عَلَى آكِلِهَا ، وَلَكِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى خَلْقًا مُشْكِلًا ، يُشْبِهُ خَلْقَ الْمُسُوخِ ؛ فَكَرِهَ أَكْلَهَا لِذَلِكَ ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُ ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ أَتَاهُ الْوَحْيُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَفِي صِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ كَرَاهَتِهِ أَكْلَ لُحُومِ الضِّبَابِ ، مَعَ إِذْنِهِ لِآكِلِيهَا فِي أَكْلِهَا ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ مِنَ أُمُورِ الدِّينِ أُمُورًا ، الْوَرَعُ فِي الْإِحْجَامِ عَنِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهَا ، وَالْفَضْلُ فِي الْكَفِّ وَالْإِمْسَاكِ عَنْهَا ، وَإنْ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ التَّقَدُّمُ عَلَيْهَا ؛ وَذَلِكَ إِذَا الْتَبَسَتْ عَلَى الْمَرْءِ أَسْبَابُهَا ، وَلَمْ يَتَّضِحْ لَهُ وَجْهُ صِحَّتِهَا وُضُوحًا بَيِّنًا ، كَالَّذِي فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ ، فَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ ؛ أَخْذًا مِنْهُ بِالِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ ، وَاسْتِبْرَاءً مِنْهُ لِدِينِهِ ؛ إِذْ خَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْمُسُوخِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ نَظَائِرَهَا عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَنْهَ آكِلَهُ عَنْ أَكْلِهِ ؛ إِذْ لَمْ تَكُنْ وَضَحَتْ لَهُ صِحَّةُ أَمْرِهِ أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الْمُسُوخِ . وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْمُتَمَسِّكُ مِنْ أُمَّتِهِ بِمِنْهَاجِهِ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ ؛ يُحْجِمُ عَنِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ ؛ أَخْذًا مِنْهُ بِالِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ ، وَاسْتِبْرَاءً لِدِينِهِ ، وَلَا يَذُمُّ الْمُتَقَدِّمَ عَلَيْهِ ذَمَّ مُؤَثِّمٍ ، وَلَا يَلُومُهُ لَوْمَ مُعَنِّفٍ *

اختر أحد أحاديث التخريج لعرضه هنا

اختر طريقة التخريج المناسبة لك :
التخريج
69011 - 802 ~ ابن سعد في الطبقات الكبير - وَمِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ مِنَ الْمَوَالِي - حديث رقم 6019